خطأ إستراتيجي في بنية الإسلام
من أهم ما يقوّم مسيرة أي أمة هو التدوين، فلولا التدوين لما وصلت إلينا أشعار الجاهلية ذات الكلمات العربية الصعبة والتي لا نتكلم بها في وقتنا الحاضر، لتكون مصدرًا يدرسه طلبة العلم ومن خلاله يتعرفون على أصول اللغة العربية.
كتابة الكتاب المقدس عند الشرائع السابقة للإسلام
همّ أصحاب الشرائع السابقة الى تدوين الكتاب المقدس لهم ولكن بطريقة جعلته يحقق ميولهم واهواءهم في استمالة الناس وجذبهم الى مساحة هم يرغبون فيها، حيث أوجدوا الكثير من القصص الشاذة والأحداث المكذوبة والروايات الخرافية، كل ذلك كان يصب في مصالحهم مستغلين جهل الناس وعدم معرفتهم.
هذه الجريمة لم يكن القرآن يتعامل معها بسطحية، بل كان يؤكد عليها في آيات كثيرة، ويهدد ويتوعد الفاعلين بالعذاب، ومن جملة هذه الآيات قوله تعالى «وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ. فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ»، حيث تحدد الآية المباركة سبب تمادي هؤلاء على كتابة الكتاب حسب أهوائهم ومن عند أنفسهم ثم يدّعون بأنه من الله تعالى، لأن قومهم أميّون وأيضًا لا يفقهون في الكتاب والأحكام الشرعية وغيرها، لهذا كانت سجيتهم وطبيعتهم تتقبل ما يطرح عليهم من كتاب ويحسبونه من عند الله.
وهنا الله تعالى يتوعدهم مرتين، مرة كونهم كتبوه حسب أهوائهم، وهذا فيه مفسدة عقائدية وافتراء على الله وتضليل لعباده، وكما نسميها اليوم خيانة علمية، وهذا يحقق حصول الفساد لأن قوانين السماء تختلف جذريًا عن قوانين الأرض الموضوعة من قبل البشر، لأنها تراعي مصلحة كاتب القانون وموظفة لفائدته، أما المرة الثانية فالويل قد وقع على الذين لا يرغبون في تحقيق هذه المفسدة في بنية الشريعة وإنما هدفهم تحصيل الأموال والمناصب والمكانة وكل المطامع الدنيوية، فكلاهما يصبان في مصب واحد في نهاية المطاف، وهو تحقيق المفسدة.
معالجة الإسلام لهذه المسألة
منذ أول نزول رسمي لجبريل عليه السلام على صدر نبينا الاكرم صلى الله عليه واله وسلم ليأذن ببداية البعثة النبوية الشريفة، ويعطيه أول رسالة من الله تعالى وهي قوله عز وجل «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»، وفي مفردات هذه الآيات الكريمة نجد العلاج الذي يضمن عدم تيهان الأمة في المستقبل وعدم تمكن الفاسدين والمفترين على الله من النيل من دين الله وتحريفه وهدم مبادئه ومعتقداته.
أول كلمة كانت اقرأ، فالقراءة هي مفتاح التعلم والتقدم، كانت لكلمة اقرأ أهمية بالغة لتعاد على مسامع النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم مرتين بالتتابع، بل رسالة لنا أن سر التقدم والازدهار والتطور يكمن في القراءة، ولا تتحقق القراءة إلّا من خلال التدوين، وهو ما أشار الله تعالى إليه بقوله علّم بالقلم، فسر مجابهة الحرب المستقبلية على المسلمين هو تعليمهم القراءة والكتابة، ومن ثم تحصينهم بالعلم والمعرفة، وبعدها خوض ضمار نشر الدعوة الاسلامية.
لقد عقد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مع أسرى قريش اتفاقية تقضي بإطلاق سراحهم مقابل تعليم نفر من المسلمين القراءة والكتابة، فلم تكن الأموال ولا الفدية هي ما يشغل باله، بل كانت حماية المسلمين من الوقوع فريسة الجهل وعدم المعرفة، وحتى آخر أيامه صلى الله عليه واله كان قد طلب أن يدونوا ما سيمليه عليهم في وصيته الأخيرة؛ لأنه على علم بأهمية تدوين الأمور حفاظًا عليها من الضياع.
الخطأ الإستراتيجي في بنية الإسلام
لعدة أسباب لم تدون سنة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد وفاته، بل لم يجمع القرآن إلا بعد وفاته، وهذا شيء فيه من الغرابة الكثير، فبعد الهجرة كانت أوضاع المسلمين قد تحسنت وأصبحوا منظمين، بل إن أحوالهم الاقتصادية والسياسية كانت في أفضل صورها، ورغم ذلك يقول التأريخ أنه لم يجمع القرآن في حياته، فكان أول من جمعه الخليفة الأول، وفي زمن الخليفة الثالث أحرقت جميع نسخ القرآن وكتبت نسخة واحدة هي التي اعتمدت بعد ذلك، وفي الحقيقة تتضارب الأخبار بين مؤيد لعدم التدوين، وأخرى تبين أن كلا الأمرين قد فعلهما النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، إذ كتبوا القرآن وجمعوه تحت ناظريه، ودونوا سنته الشريفة كذلك، فلماذا اذًا حصلت هذه الفجوة ً؟
لكن السؤال المهم هو لماذا أحرقت جميع نسخ القرآن وأبقيت على واحدة؟
يروي التأريخ أن سبب ذلك يعود الى حصول اختلاف وخلاف في الفاظ وقراءة القرآن حيث جعل ذلك المسلمين يتصارعون فيما بينهم، وكان هذا على مرأى ومسمع الصحابة، والذي قد أفزعهم، ولعل القصة ترتبط مع الصحابي حذيفة ابن اليمان، حيث هو من شهد هذه الفوضى وأبلغ عنها الخليفة الثالث، ليتخذ بدوره هذا القرار بغية الحفاظ على كتاب الله من الضياع والتشتت.
وهنا علينا أن نقف ونفكر بتمعن، لم يمض على ارتحال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الكثير، إلا أن المسلمين تشتتوا في قراءة كتاب الله وأحدثوا فيه ما أرعب بعض الصحابة ليتخذوا قرار حرق المصاحف، فكيف لسنته الشريفة والتي لم تدون لا في حياته ولا في حياة الصحابة ولا حتى التابعين؟ كيف لها أن تصل إلينا دون وقوع المفاسد والافتراءات فيها؟ بل كيف لم يع المسلمون خطورة عدم تدوين السنة النبوية كما فعلوا مع القرآن الكريم، وهم قد شهدوا مقدار الانحراف على مستوى الفتوحات الإسلامية البسيطة، وقصر المدة التي تطلبت وقوع هذا الانحراف؟
كان خطأً إستراتيجيًا في بنية الإسلام عدم تدوين السنة النبوية في وقتها المناسب، أو الحفاظ على ما كتب في حياته صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا ما جعل المسلمين اليوم يختلفون في أحاديث نبيهم وسيرته وحياته لتعدد المصادر واختلافها، بل حتى أن بعض الأحاديث الموضوعة أساءت بشكل واضح للإسلام، بل هناك أحاديث كثيرة متضاربة وبعضها يتعارض مع نصوص القرآن الكريم.
ورغم هذا الخطأ إلا أن المسلمين ما زالوا يرفضون فكرة أن التراث الإسلامي يشوبه الكثير من البدع والأحاديث الفاسدة، وعليهم جميعًا الاتفاق على تنظيف وإزالة جميع الأحاديث الشاذة وضربها عرض الجدار، وإن تحققوا من صحة المصدر، فالمصدر مقابل خطوط القرآن العريضة لا قيمة له إن جانبها، ولسنا ملزمين على قبول ما لا يتناسب إيجابًا مع القرآن الكريم أو مع الأدلة العقلية، وعلى الأجيال الانتباه وعدم الانجرار خلف فريقين أحدهما يضلل الناس بالتكفير والأخر يسقّط في الإسلام لينفر الناس منه.
https://www.sasapost.com/opinion/a-strategic-error-in-the-structure-of-islam/
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "خطأ إستراتيجي في بنية الإسلام"
إرسال تعليق