“الشماتة”.. وهل هي من صفات المؤمن؟
يقول تعالى في سورة الأعراف الآية 150 ((ولَمَّا رَجَعَ
مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن
بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ
بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ
اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا
تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ))، توضح الآية الكريمة ان موسى عليه
السلام لما رجع ووجد قومه قد خالفوا امره وانحرفوا عن جادة الصواب والحق، غضب لله
وجر رأس اخيه هارون عليه السلام اليه، وهنا كان لهارون ان يبين اولاً السبب الذي
جعله لا يستطيع ايقافهم، والثاني هو رجاءه من موسى الا يضعه في موضعين، أولهما في
موضع الشماتة، وثانيهما في موضع الظلمة.
لماذا لم يرد هارون عليه السلام ان يكون في موضع الشماتة؟
وقبل ان نجيب على ذلك لابد ان نعرف بشكل بسيط ما معنى الشماتة،
فالشماتة هي فرح الشخص او المجموعة على مصيبة تصيب الاخرين، كالموت والفيضان
والحريق والمرض وغيرها من الازمات والابتلاءات التي تصيب الناس، وبالطبع هذه
الفرحة ليست سرية ومكتومة، بل هي معلنة ومسموعة وموجهة الى الشخص او الأشخاص
المصابين بالابتلاء.
تكمن خطورة الشماتة في انها تحطم كل ما تبقى من معنويات وروحيةٍ
ايمانيةٍ لدى الشخص المصاب بالبلاء المادي او المعنوي، وهذا الصوت الشامت به يأتي
في وقت انهياره الكامل والتام، وفي وقت ضعفه وانكساره، ولكن بدل ان يسمع كلمة طيبة
تواسيه، يسمع كلمات جارحة تتشمت به وتفرح لما أصابه، ولهذا كان هارون عليه السلام
يريد ان يبتعد عن الوقوع تحت السنة المتشمتين، وبواقع الحال فان الشماتة لا تأتي
من محب، وانما من اشخاص يكرهون صاحب المصاب، وهؤلاء بالحقيقة ضعفاء وجبناء ومرضى
نفسيين، لانهم تشبعوا بالحقد والغل والضغينة والكره، ومن يمتلئ قلبه بهذه الآفات
فانه لن يستقر حاله الا اذا رأى المصائب في غيره، وفي القرآن الكريم الكثير من
الآيات البينات والتي تشير الى مواقف الشماتة.
الشامت يستخدم عدة أساليب ليظهر فرحه بمصيبة غيره، وأكثر ما يؤثر في
الانسان هي الكلمة الجارحة، تلك الكلمات المسمومة والحادة والتي تسبب الأذى النفسي
للآخرين، هي كفيلة بإيجاد جرح عميق في نفسية صاحب المصيبة، لا يندمل ولا يخاط ولا
يختفي أثره، جرح كلما أراد ان يلتحم عادت تلك الكلمات الملوثة تهيجه من جديد وتزيد
في تقرحاته.
ليست من صفات المؤمن بالله ان يشمت بأعدائه، لأنه مؤمن بان الله يبتلي
المؤمن والكافر على حدٍ سواء، ولا يبتلي الناس الا لحكمة له تعالى، ولعل بعض
البلايا هي تحصيل حاصل لأفعالٍ خاطئةٍ يقوم بها الانسان تنتهي به الى البلاء،
وكذلك لأنه وان عادى أعداء الله واعداءه الا انه يعاديهم بنُبل، ولا يعاديهم عن
حقد دفين وعداوة شخصية، ولا يبغضهم حسداً وعدواناً، بل هو يتعامل معهم بلين ومحبة
الا إذا أبرزوا انيابهم له فحينها سيكون شديداً عليهم، وهذا مبدأ الدفاع عن النفس.
ان ما يصيب الأمم اليوم بشكل عام من اعاصير وزلازل وابتلاءات أخرى قد
تحصد أرواح الكثيرين ممن لا شأن لهم بإدارة الدول ولا علاقة لهم بالسياسة
والسياسيين، جل همهم هو العيش في استقرار، ولكن الشماتة والتي ذابت في دمائنا
جعلتنا نتشمت بإخواننا واعدائنا على حدٍ سواء، ومن يريد ان يتكلم بلسان المؤمن و
الانسان المتفتح والسوي عليه ان يبتعد عن الشماتة والتشمت بالآخرين، فاذا لم يكن
يريد مد يد المساعدة او الدعاء، فالسكوت هو الحل الأنسب، هكذا سنعود الى ضفة الخير،
وهكذا سنستطيع من إعادة بناء اوطاننا التي دمرتها البغضاء والحسد والشماتة وسط جهل
كبير وتشتت في الآراء والمواقف، وابتعاد واضح عن منهجية الدين الإسلامي، وادعاءٍ
زائف للكثيرين بانهم يتبعون تعاليم الإسلام واخلاقه.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "“الشماتة”.. وهل هي من صفات المؤمن؟"
إرسال تعليق