مَن كان يشغل دور الطبيب النفسي قبل أن يصبح فرعاً طبيًا؟
لا يخفى على الجميع ان الانسان يتكون من جزأين أساسيين، الأول هو الحالة
المادية والمتمثلة بتكوينه الجسدي، وهو ما دعا الحكماء الى التعمق في دراسته من
اجل معالجة ما يصيب الجسم البشري من امراض او إصابات او ما يتسبب به التقدم في
العمر من عيوب، وكل ذلك كان يعالج من قبل الأطباء، ولم يكن الطب كما هو اليوم،
فعدد الأطباء وأنواع التخصصات لم تكن كثيرة، بل كان الطبيب عبارة عن موسوعة كاملة
من التجارب والخبرات، وهذه الخبرات لا يستطيع أي شخص اكتسابها الا ما ندر، ولكن
لحاجة الانسان الى العلاج كان لابد من حفظ هذه التجارب في كتب ومصادر من اجل ان
ينتخب من الناس من هو قادر على تعلمها والعمل بها، وهكذا ظهرت كليات الطب البشري
لتعالج مشاكل الانسان الجسدية بمختلف أنواعها وبكل التخصصات المعروفة اليوم، كالطب
الباطني والصدرية والقلبية والجملة العصبية وغيرها من التخصصات العامة والدقيقة.
اما الجزء الثاني فهو الجانب الحسي او الـ(لامادي)، وهو ما يعرف
بالمشاعر والاحاسيس كالحب والكره، كظم الغيظ والغضب، والهدوء والتوتر، والاندفاع
والخوف، مجموعة كبيرة من الاحاسيس غير ملموسة، ولكنها تؤثر بشكل كبير على حياة
الانسان، بل انها تؤثر على الحالة الجسدية للإنسان، فهناك فارق بين من يعيش حياة
سعيدة مع من يعيش في حياة من الكدر والضيق والمشاكل، ولأهمية هذا الجانب على حياة
الانسان، كان بحاجة الى طبيب يعالج له هذا الجزء المهم منه، اليوم هذا الجزء
يعالجه تخصص من تخصصات الطب البشري وهو الطب النفسي، وهو لا يقل تعقيداً عن باقي
فروع الطب وتخصصاته الأخرى، ولكن من كان يشغل دور الطبيب النفسي قبل ان يصبح فرعاً
من فروع الطب؟
الأنبياء والرسل هم من كان يتحمل هذه المسؤولية، لان الانسان من غير
جزئه الحسي يخرج عن انسانيته ويصبح كالبهيمة في حياته اليومية، يأكل ويهيم في
الأرض من غير هدف او رجاء، بينما الانسان هو سيد الأرض وهو من بيده إدارة جميع ما
سخره الله له من موارد، بل واعطاه ما لم يعطه للحيوانات، وهو إمكانية التفكير
والابداع والاختراع، ولهذا فهو بحاجة الى تقويم، لان جانبه الغريزي الحيواني قد
يظهر على تفكيره فيجعله أخطر من الحيوان في عدوانيته، فهل شاهدت من قبل تلك الحلبة
التي يُطعن بها الثور من قبل راقص يسمى (الماتادور)؟ لو كان عند الثور قدرة على التفكير
غير المبرمج لاستطاع ان يغير من استراتيجيته الهجومية ضد هذا الراقص، ولكن الله
خلقه وفطره (برمجه) ولا يستطيع تحديث ذلك من تلقاء نفسه، بينما الانسان يظهر بشكل
أخطر لأنه يستطيع ان يغير من اساليبه ويصبح آلة للقتل وسفك الدماء دون رحمة.
اهتمت رسالة الأنبياء والرسل والصالحين بهذا الجانب كثيراً، وكانت
تصحح بشكل واضح مسيرة الانسان لتجعله متزن وغير متوحش، وكما ان الطب يعطي النصائح
للناس لتجنب بعض المأكولات والمشروبات لأنها ستسبب لهم الامراض مستقبلاً، وهو ما
يسمى بالحمية في الوقت الحاضر، فان الأنبياء دعوا الناس الى تجنب بعض الأفعال
السيئة والتي تؤثر على حالتهم النفسية في المستقبل بشكل سلبي، وهو ما يسمى
بالأخلاق، فالالتزام بالأخلاق الحسنة يعطي نفس نتيجة الالتزام بالطعام والشراب
الحسن، كلاهما سيحميان الانسان من الامراض.
هل لاحظت قادة مثل نابليون وهتلر وستالين وموسوليني وغيرهم، هل يراهم
الطب النفسي أناس سويين ام يراهم مرضى؟ بالطبع كانوا مرضى، ولكن مرضهم كان في
جانبهم الحسي والنفسي، فهم كانوا يتلذذون بقتل البشر، بل لا يعيرون للإنسانية أي
اهتمام او احترام، ويرون أنفسهم أعظم وأكبر من غيرهم حيث ان غيرهم عبارة عن نكرات،
حشرات لا مبرر لرحمتها او ابقائها، والحال نفسه مع رب الاسرة الذي يقسو ويظلم
أبنائه واهل بيته، والبائع والصانع الذي يغش ويدلس ويخدع الاخرين، والسارق الذي
ينهب أموال غيره، والمرابي الذي يحد سكاكينه برقاب المديونين، والأب الذي يدفع
بابنته الى الفسوق وامتهان العهر، او كما فعل العرب يدفنها وهي على قيد الحياة، كل
هذه النماذج هي بالحقيقة مريضة وتحتاج الى معالجة، وجل رسالات السماء هي معالجة
هذه المشاكل النفسية.
فالدين ليس مهنة عابرة، بل هي منهاج لحياة نفسية مستقرة، وكما ان الطب
يريد من الانسان ان يعتني بنفسه ويطبق بعض التمارين ويؤدي بعض المهام من اجل
المحافظة على صحته جيدة باستمرار، فان الدين ايضاً يوجه الانسان نحو الخلاص من
خلال اتباع بعض الارشادات التي تبقيه في الجانب المضيء وتبعده عن الظلمة، ولكن كما
في الطب هناك من استخدمه للاستفادة المادية ووصلت ببعضهم ان يصبحوا جزارين من اجل
سرقة أعضاء البشر والاتجار بها، فان في الدين هناك من استخدمه للوصول الى مآربه
الشخصية، فأخفى الجانب العلاجي عن الناس، وبث سمه لهم بلسان الدين مستغلاً جهلهم
بالموضوع، ومستغلاً ذلك بالخداع ونشر الكذب وايهام الناس بالخرافات، وهو دين
الكثيرين ممن يتصدرون المشهد الديني ويلبسون رداءه، اشبه بالاستغلال السيء لعلم
النفس والطب النفسي والتي تستخدمها الأنظمة في تحطيم المعنويات والقيم عند
معارضيهم، وغسل الادمغة لصنع أدوات بيدهم تستخدم للقمع والابادة.
هناك طبيب سيء وعاجز وفاشل وعديم الاخلاق، وهناك على العكس طبيب جيد
وقادر وناجح وصاحب اخلاق حميدة، وكلاهما اخذا علمهما من نفس المصدر، لكن أحدهما
جعل منه رحمة، والأخر صيره نقمة، فالعيب في الشخص لا في العلم نفسه، وكذلك الحال
مع رجال الدين، وعلينا ان نميز بين الصالح والطالح كما نفعل عندما نحتاج طبيباً
يجري لنا عملية خطرة، نسأل عنه قبل ان نرمي بأنفسنا تحت يديه، وعلينا ايضاً ان
نقول هذا الطبيب سيء لا كل الأطباء سيئون، ورجل الدين هذا سيء لا كل رجال الدين
سيئون.
علينا ان نفهم ان الدين الذي ارتضاه الله لنا هو منهاج علاجي يقوي
مناعتنا امام الامراض النفسية، ويعزز قدراتنا الدفاعية امام أي هجمة تحاول اختراق
قيمنا ومبادئنا وانسانيتنا، ويجب ان نختار الطبيب النفسي الذي اتبع سبيل الأطباء النفسيين
الذين ادوا واجبهم بالنصح والتبليغ، وهنا اقصد الأنبياء والمرسلين، وعلى رأسهم
خاتم النبيين النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ومن اتبعه ولم يخالفه وكان
كما كان ذو خلقٍ عظيم، استطاع ان يحول المجتمع المتوحش الى مجتمع متزن ومتحضر،
لنراجع عياداتهم ونترك دكاكين المدعين وعياداتهم الفاسدة.
مَن كان يشغل دور الطبيب النفسي قبل أن يصبح فرعاً طبيًا؟ عربي 22
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "مَن كان يشغل دور الطبيب النفسي قبل أن يصبح فرعاً طبيًا؟"
إرسال تعليق