القيم لا تُطعم الأفواه.. ماذا تفعل عندما تنفد جميع الخيارات؟
كل شخص منا لديه طاقة تحمل وصبر تحدد إمكانية تحمل الأشخاص والظروف
المحيطين به، وهذه الطاقة تتجدد من خلال ايمان الشخص بمعتقد ما او بفكرة او بمبدأ،
ولكنه إذا لم يعد شحن هذه الطاقة ويجدد حيويتها فانه سيقلص من عدد الخيارات المتاحة
امامه لتجنب الاصطدام.
يقال في المثل المشهور (واحذر صولة الحليم إذا غضب)، ولكن لماذا صولة
الحليم تحتاج الى حذر؟ ولماذا هي بهذه الخطورة؟ لأنه وببساطة هناك من استفز الحليم
الى درجة تجاوزت مقدار تحمله وصبره مما اضطره الى بلوغ مرحلة جديدة من رد الفعل الاعمى
وهو الشعور بالغضب والذي دفعه لاتخاذ اجراء عملي صارم من خلال الصولة والتي تكون
بلا حدود او قيود او حسابات او مخاوف من النتائج، صولة ضاربة قاسمة تحرق الأخضر واليابس،
هنا سيشعر الحليم بانه لم يبق له سوى خيار واحد، وهو خيار رد المثل بالمثل.
البعض يقودهم تنمر الاخرين الى العزلة او الانتحار، والبعض الاخر
يقودهم الى الجريمة وانتهاك حرمات الاخرين، والبعض يقاوم الضغوطات ويحاول الا يعير
المسيئين أي انتباه، ولكن هذا يعتمد على ما يمتلكه الفرد من مقومات اشبه بالنضائد
تستطيع ان تبقي مزاجه تحت السيطرة وتبقي عقله قادراً على المعالجة بموضوعية، فمن
يلجأ الى الانتحار فانه لا يمتلك مقومات تجعله يفكر بأفضل من هذا الخيار، لاسيما
عندما يجد نفسه بلا قوة على أداء اعمال شاقة ولا تتوفر له فرصة للعمل او رأس مال
ليصنع لنفسه مشروعاً ناجحاً ولا يجد له معيل قادر على مساندته وعندما يجد افواهاً
جائعة تنتظر قدومه ببعض الطعام بعد يوم طويل يقضيه وهو في انتظار العمل، ستهبط تلك
النضيدة مع اول صوت لبكاء أبنائه الصغار ومع مشاهدته لهم يمرضون وهو لا يملك اجرة
الطبيب والعلاج، ويوم بعد يوم فان العقيدة والمبدأ والقيم ستصطدم بواقع الحال مما يجعله
يفقد زمام الأمور، وهنا سيفكر الفرد بالانتحار لأنه الحل المثالي للتخلص من هذه
الحياة الفوضوية القاسية، اما الاخر فانه سيفكر بالسرقة وخرق القانون لأنه سيصبح
غير مؤمن ولا معتقد باي مبدأ او قيم، لأنها ببساطة لم توفر له ولا لأهله لقمة هنيئة
تسد جوعهم وتبقيهم في حياة كريمة.
وهناك من تجاوز هذه العقبة ليسقط بين مجموعة من الناس تحاربه لأنه لا
يعمل على اهوائهم ومبادئه لا تنفعهم في شيء لذلك سيتخذونه عدواً لهم يحاربونه بشتى
الوسائل، كثير من العقلاء يركن الى جنب ويبتعد عن المواجهة لأنه وحيد ومحاط بزمرة
من الفاسدين والمتملقين والانذال، وحتى المتعاطفين معه ومع مبادئه سيكونون ضده إذا
ما احتدمت الأمور ووصلت الى حد المواجهة.
وهناك من يطاول في مواجهة هؤلاء الفاسدين ولكنه في وقت من الأوقات
سيصل الى نقطة الخيار الواحد، وهذا احياناً لا يكون خيار الفرد بل خيار مجموعة من
الافراد، وهو ما أسس للثورات الشعبية والتي وصلت الى نقطة الا رجعة واتخذت خيار
المقاومة والمواجهة حلاً لمشكلاتها، ولهذا انا اذكر البعض من الاغبياء والفاسدين،
عليكم ان تبتعدوا عن استفزاز أصحاب المبادئ حتى لا تستنفدوا طاقاتهم وتجروهم الى
خيار المواجهة، وفي نفس الوقت على الافراد ان يوفروا لأنفسهم مصادر طاقة مستدامة
لا تنتهي ولا تتوقف، وان يحافظوا على خطوط التوصيل بينهم وبين تلك المصادر، لتبقى على
بطاريات تحمل الانسان، ولا مصدر طاقة افضل من الاطمئنان بحضرة الله تعالى، فهو لن
يخذل قلباً ربط نفسه به ابداً، ولا رجاء لسواه، لان كل من سوى الله سيخلفون الرجاء،
يقول الله تعالى ((أَلَا
بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)).
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "القيم لا تُطعم الأفواه.. ماذا تفعل عندما تنفد جميع الخيارات؟"
إرسال تعليق