ما أنت إلا عراقي
كيف يرانا المحيط الإقليمي من خلال نظرته السياسية؟ هل فكرت بالأمر من قبل؟ هل تتوقع أنه يراك كما تظن بأنك حينما تتبع خطى تلك الدول وإدارتها فإنك حر وتمتلك السيادة؟
إنهم لا يروننا إلا شعبًا لا يستحق هذه الأرض ولا خيراتها، شعب لا بد له أن يبقى تحت الضغط المستمر لكيلا يحكم نفسه بحرية، كل الدول الإقليمية قادرة على سلبنا خيراتنا والاستفادة منها بسهولة، إلا أنها مستمرة في صناعة عدم الاستقرار في العراق، وما أن تنهي صفحة حتى تبدأ رواية من المعاناة والألم، تأكل في طريقها الأخضر واليابس، ولكن ما نحزن له هو واقعنا المرير.
الأكراد الذين يحاولون بناء دولة مستقلة لهم لا يراهم المحيط الإقليمي إلا عراقيين، وكذلك الحال للأزيديين، والمسيحيين، والصابئة، والتركمان، والأرمن، والشبك، والعرب، والشيعة، والسنة، وأتباع المذهب، أو العشيرة، أو الحزب، كلهم ما هم إلا عراقيون.
سواء والوا أمريكا أو إيران أو أية دولة من محور المحيط الإقليمي، عراقيون لم تميزهم الطائرات الحربية وصواريخها، ولم تميزهم آلاف الرصاصات، ولم تميزهم المشانق وسكاكين السيافين، ولم تميزهم السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والانتحاريين بأحزمتهم المتفجرة، حتى الأرض لم تميزهم عندما دفنوا بالمقابر الجماعية، وبالجملة، وبالمفرد.
لقد اختلطت دماء العراقيين بمظلوميتهم، ولكنهم لم يعوا بأنهم جسد واحد لا يستطيع أي جزء منه أن يتخلى عن الآخر، يظن كل طرف منهم بأنه قادر على أن ينجو لوحده بمساعدة حليفه من دول الجوار أو المحيط الإقليمي، ولا يعلم بأنه ما أن تتفق مصالح تلك الدول فإنه سيرمى به إلى التهلكة، ولا معين، أو نصير.
ليس للعراقيين أمل بأن تزدهر حياتهم إن لم يلملموا أفكارهم المبنية على الكراهية لبعضهم البعض ويرموا بها عرض الجدار، وأن يعيدوا الألفة والمحبة فيما بينهم ويتعالون عن خطاب العنف والكراهية والبغضاء والمساس بكرامات العراقيين.
اختلف برأيك، ولكن لا تجعل الموضوع يتعدى الى حدود الاصطدام، لأن تجربتنا أثبتت أن الفتنة إن حضرت لن تغادر أي صغير أو كبير، ولن تترك أي بيت إلا ولسعت قلوبهم بالحزن على فقدان عزيز أو العيش مع ألم مستمر وعاهة لا تعالج.
لنحاول أن نرفع صوت العقل، حتى لا نقع فيما وقعنا فيه من قبل، فالشيعة والسنة على حد، سواء ما كان في اختلافهم العقائدي أي مشكلة قط، ولكن عندما صمت صوت العقل ونطق صوت العاطفة تحركت أصابع الفتنة وأبواقها لتعزف لحنًا استخفت به الألباب ليرفع السلاح وتبدأ التصفيات، ولما تدارك الشيعة والسنة ما حصل كان الأوان قد فات، وغادرنا الآلاف من الأحبة، قتلوا لا لشيءٍ سوى لصوت نشاز هيج عاطفة غير مستقرة ليهدم كل الأواصر بينهما ويخلف في آخر المشوار فراغ ملأته مشاعر الندم.
ما نتج بعد الفتنة الطائفية هو دخول «داعش»، والذي بدوره لم يميز بين السني والشيعي ولم يترك الآخرين في حالهم، بل تطاول على الجميع لأنه لا يرى الجميع كما يرون أنفسهم، مسيحيين لا علاقة لهم بالحرب الطائفية بين السنة والشيعة، أو سنة لا يخافون من بطش «داعش» لأنهم على نفس المعتقد، أو أكراد لا يوجد لديهم أي سبب للمواجهة في حرب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، إلا أن «داعش» أثبت ما نؤمن به، بأن العراقيين بالرغم من اختلاف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم ما هم إلا جسد واحد، إن أصاب جزء منه مكروه سقط الآخر معه، ولا يراهم الآخرون إلا شعبًا واحدًا لا يستحق العيش، كما كانوا يرون أصحاب البشرة السمراء، مهما كانت أصولهم وانتماءاتهم، ما كانوا في عيونهم سوى عبيد لا يستحقون العيش بكرامة.
لا أقول أن نشهر العداء للجميع، ولكن أن نحكم عقولنا قبل عاطفتنا، أن نعي أننا إن حاربنا تلك المجموعة وأسقطناها فإن ذلك انتصار لإرادة عدو نظنه أنا وأنت صديقًا، لا توجد في ساحة السياسة ابتسامة صادقة، فخلف تلك الابتسامات أنياب تريد أن تفترس إرادة العراقيين وتتلذذ عندما تشاهد دماءهم تسيل وهم يقتل بعضهم بعضًا.
ثمن الحرية من الاستبداد والاستعباد كبير، ولكنه لا يأتي إلا بالصبر وتحمل الاخر، لا يقدم على طبق من ذهب، بل يحتاج إلى نفس طويل وذهن يوزن الكلام قبل إخراجه، يحتاج الى إرادة صلبة في تخطي حواجز الفتن، وأن يقدم الحكماء للأمام وأن يطاعوا.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد