البطالة والتعيين
يعاني العراق كباقي الدول الخارجة من الحروب والكوارث من بطالة وشح في فرص العمل؛ مما قاد الكثير من الشباب لطلب التعيين في دوائر الدولة بغية الاستناد إلى راتب شهري ثابت يوفر حماية للفرد وعائلته من الجوع وأيضًا يوفر مصدرًا للرزق بعد بلوغ الشخص العمر الذي يمنعه من أداء الأعمال أو عند تعرضه إلى إصابة أثناء العمل.
لا يجد شبابنا اليوم أي فرصة للعمل في القطاع الخاص، وخاصة للذين أكملوا دراستهم وحصلوا على شهادة البكالوريوس أو الماجستير والدكتوراة، وبالأخص أولئك الذين تخصصوا في الفلسفة والتاريخ والجغرافيا وغيرها من التخصصات التي لا يجدون لها مجالًا في القطاع الخاص؛ مما يضطرهم لانتظار التعيين أو التنازل بالعمل في تخصصات أخرى كالبيع والشراء وغيرها من الأعمال الحرة.
بالطبع ليست هناك أية مشكلة في أن يبحث الإنسان عن لقمة خبزه بالطرق المشروعة، وليس هناك أية طبقية في تقليل شأن سائق الأجرة أو الإسكافي أو الحلاق أو البقال، ولكن ما نتطرق له هو ضياع التخصص وسنوات الدراسة الطويلة، ومن المفترض أن الدولة توجد فرص العمل المناسبة لكل اختصاص في القطاعات العامة والمختلطة والخاصة، وهذا من خلال برمجة الطلبة قبل تخرجهم بالاتفاق مع شركات أهلية أو دولية بتوظيف هؤلاء الخريجين وإكسابهم الخبرة العملية ومراعاة ظرف العراق المتقلب كتقلب مناخه، وإجبار أرباب العمل في القطاع الخاص أن يوظفوا الشباب بموجب وثيقة وعقد يحفظ لكلا الطرفين الحقوق، ويفرض عليهما الواجبات، وتحت نظر وعلم الدولة، وبعد ذلك لابد من أن تعطى الرواتب والاستحقاقات مصرفيًا من أجل استقطاع مبالغ تقاعدية يتم تدويرها بأسماء أصحابها في البنوك لغرض التشغيل والاستثمار؛ مما يدر على هذه المبالغ بالفوائد التراكمية، والتي تتزايد مع طول مدة العمل؛ مما يجعل لهذا العامل على القطاع الخاص راتبًا تقاعديًا يغطي نفقاته بعد بلوغه سن الخمسين.
ما يقود العراق إلى البطالة هو سوء التدبير الواضح في جعل الوظائف محصورة بيد الدولة فقط، بينما يمتلك العراق العديد من الفرص لإنشاء مشاريع تلبي حاجات الشباب وتفتح لهم أبواب العمل، فهناك على سبيل المثال عشرات المزارات الدينية تخص جميع الطوائف من المسلمين وغيرهم، ولكنها مهملة وبعيدة عن الأنظار، ومن يذهب إلى تلك الأماكن يصاب بالوحشة لافتقارها للحياة، ولا سيما المشاهد التاريخية القديمة، فنحن لم نوظف هذه الثروات بشكل مثالي، فهل زرت يومًا طاق كسرى في المدائن؟ وهل تعرفت على مرقد الصحابي الجليل سلمان المحمدي (الفارسي)؟ وهل شاهدت مكان النار التي ألقي فيها نبي الله إبراهيم عليه السلام؟ هل شاهدت سجن نقرة السلمان في السماوة؟ هل تعرف أين يقع مرقد نبي الله دانيال عليه السلام؟ هل صعدت الزقورات، وهل تعرفت على آثار بابل؟ والكثير الكثير من الأماكن المهجورة والتي لم نسمع بها ولم نصل إليها.
وهناك فرص أكثر لتنمية الاهوار وجعلها معلمًا سياحيًا من أجل استثمار طاقات الشباب بعدما فقدنا الأمل في تحقيق مشاريع استثمارية في مجالات الصناعة والزراعة والإنتاج الحيواني بسبب دول الجوار وخيانة ساسة العراق حيث فقدنا الفرصة في هذه المجالات لفتح الطريق أمام دول العالم لغرض تنمية اقتصادها على حساب تفشي البطالة داخل العراق.
بالطبع لا يمكننا تحقيق أي شيء ما دامت هذه الأفكار لا تنفع دول العالم المحيطة بنا، والتي تتدخل في كل تفاصيل حياتنا، وتجند ما هب ودب من اجل إبقاء العراق في منطقة فقدان الجاذبية لا يعرف فوقه من أسفله، لذلك فنحن بحاجة إذًا إلى توطين علاقتنا مع الجميع للوصول إلى فتح باب يحقق لجميع الأطراف المنفعة، وإلا فتخطيطنا للنهوض بواقع العراق هو هواء في شبك، وهذا ما تثبته وأثبتته التجارب السابقة فنحن لا نمتلك القرار، ولا نمتلك الاختيار.
من وجهة نظري الخاصة فمن أجل الخروج من هذا المأزق والمصير المحتوم علينا أن نغير مطالبنا كجمهور، فنستطيع أن نطالب بتحسين واقع الخدمات من خلال التعاقد مع شركات من دول العالم والجوار بشرط تشغيل أيدي عاملة من داخل العراق مع وضع ضمانات حقيقية للعاملين في تلك الشركات، بل بالإمكان تصدير الأيدي العاملة وحسب الاختصاصات المتنوعة للعمل في تلك الدول من ضمن كوادر شركاتهم وتحت أنظار الدولة، وبذلك لن يضطر الشاب إلى الهرب من العراق والعمل كنادل، أو أي مهنة بسيطة أخرى لا تتناسب وإمكانياته واختصاصه.
علينا أن نفكر بالبدائل لمصلحتنا والخروج من عقد الحكومات السابقة وما خلفته من أفكار جعلت من الشباب يركز على موضوع وعدو واحد ويتغاضى الطرف عن عشرات المواضيع المهمة الأخرى وعشرات الأعداء الذين لا يختلفون في فتكهم ودهائهم عن بعضهم البعض، مشكلتنا أكبر من إسرائيل والمؤامرات الأمريكية والإيرانية والسعودية والتركية وغيرها، مشكلتنا إننا نسير حسب خطتهم وبانصياعٍ تام، ننتقد، ولكننا لا نضع الحلول، ودائمًا ما نجد من نعلق أخطاءنا عليه.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد