رغم التجارب إلا أننا ما زلنا نخطئ
تمر على الإنسان في حياته الكثير من الأحداث ويشاهد ويعيش الكثير من التجارب الإيجابية والسلبية، ورغم صعوبة بعضها إلا أنها تعلمه الدروس التي تجعل منه يقظًا لدهاليز الدنيا وشرور الناس، ولكن ورغم هذه التجارب الكثيرة إلا أن الإنسان يركن إلى الوقوع في الأخطاء عن عمد، ولا يشمل ذلك أذية الآخرين بهذه الأخطاء فقط بل أذية نفسه أيضًا، ولعل أبسط هذه التجارب والأخطاء هي تهور الشباب في سياقة السيارات بسرعة عالية تؤدي إلى تحطم سياراتهم في حوادث مؤسفة، وتجعلهم ما بين معاق أو ميت، بالطبع كل واحد منهم يعلم يقينًا ومن خلال التجارب أن السرعة العالية خطيرة جدًا، وهم أيضًا مطلعون على قصص وأحداث قد تكون من واقعهم نفسه لا منقولة من أماكن أخرى بعيدة عنهم، عن شباب لقوا حتفهم بسبب حوادث السيارات، فلماذا إذًا لا يعتبر الإنسان ويتجنب الخطأ؟
الغرور وحب الشهوات
أحد أهم عناصر كون الإنسان قادرًا على محو ذاكرته من مساوئ أفعاله وتحويلها إلى صور حسنة هما عاملان أساسيان الغرور وحب الشهوات، فهو سيصبح عاجزًا عن إدراك حقيقة بطلان أفعاله عندما يتبع إحدى شهواته، فهو قد يزني مرة أو مرتين أو أكثر من ذلك ورغم ما يشاهده من مضار ونتائج غير محمودة إلا أن شهوته تغلب على عقله وبذلك يحاول جاهدًا أن يحتاط وأن يبعد عنه الشبهات، ولكنه سرعان ما يسقط وحينها لا ينفع الندم.
أما المغرور والذي يظن بنفسه ما ليس فيه على الإطلاق فانه لا يستطيع أن ينزل عن بغلته وحماقته، فيصر على فعل الخطأ ولا يبالي لأنه يرى في نفسه الصواب مع أنه في قرارة نفسه موقن بأنه على باطل، ولكن نفسه الأمارة بالسوء أقوى من إرادته وعقله، فلذلك تجده يظلم أهله والآخرين أيضًا ويسلبهم حقوقهم ويعتدي عليهم غرورًا منه وتعاليًا عليهم، يحركه حب الشهوة إلى التسلط ونيل المكاسب المادية والتلذذ باستجداء الآخرين له وضعفهم أمامه، في مشهد يجمع بين النرجسية والسادية والغرور في وجه واحد.
الاطمئنان
البعض يعرف ما سيؤول إليه فعله السيئ إلا أنه يقدم عليه عندما يشعر بالأمان والاطمئنان من عدم وقوع العقوبة عليه، فهو يسرق ويرتشي ويبتز ويغش ويدلس ويكذب وينافق، ولكنه يعلم يقينًا بأنه لن تطاله يد العقوبة فتجعله يرتدع عن أفعاله، ولكن حينما نعود إلى الشباب المتهور والذي يقود السيارات بسرعة جنونية تجدهم قد تأكدوا قبيل الحادث من فرامل السيارة وجميع مفاصلها الميكانيكية والكهربائية الأخرى، ومع اسم الشركة المصنعة لهذه السيارة وكبر شأنها ومكانتها في نفوسهم فإنهم سيطمئنون إلى عدم حدوث المصيبة وفي ذات الوقت سيضعون اللوم على الشباب الذين تعرضوا للحوادث لأنهم لم يراقبوا أداء سياراتهم بشكل صحيح، ولكن هذا الاطمئنان ليس جيدًا على الإطلاق، وبسببه تحصل الكوارث باستمرار.
موت الضمير
تابع أخبار الزعماء والرؤساء والملوك وغيرهم عبر التاريخ وانظر ماذا حصل لأولئك الظلمة والطغاة منهم، ورغم ذلك فإن الآخرين لا يعتبرون أبدًا فهم مع غرورهم وحبهم للشهوات واطمئنانهم وأمانهم من عدم بطش الناس لهم، فهم مستمرون بظلمهم لأنهم قد أماتوا صوت ضميرهم الحي، بل أماتوا ضميرهم وقبروه وأهالوا عليه كومة المبادئ والأخلاق، لينعدم في داخلهم صوت العقل الإنساني الملائكي النقي، ذلك الصوت المرشد والمنذر والمنبه للإنسان وهو يحدثه بالمنطق والدليل، آخر أصدقاء الإنسان السوي قبل أن يتحول إلى وحش كاسر يأكل أولاده وهو لا يبالي بالنتائج.
الأحداث التي تمر علينا ليست نقمة بل جرس إنذار
تمر علينا بعض المشاكل والتي تنبهنا إلى حقيقة أن نعود إلى رشدنا، هل جربت أن تقود سيارتك بسرعة عالية وأثناء قيادتك تشير منبهات السيارة إلى وجود عطل فني في السيارة؟ هل فكرت بأن هذه ليست مشكلة بل هي تنبيه لك على أن السيارة آلة معرضة للعطل في أي وقت فلا تأمن لها إطلاقًا؟ وهل جربت أن تتكلم على أحدهم في غيابه وأثناء محاولتك ذلك تكتشف وجوده بالقرب منك فتسكت وتحاول تغيير مجرى الحديث؟ هل فكرت بأن هذه الفرصة هي جرس إنذار لك لتتجنب الخوض بهذا المضمار مرة أخرى؟ هل جربت أن تسرق شيئًا ولكنك تتراجع لاكتشافك وجود كاميرات للمراقبة في المكان؟ هل تعتقد أن هذه نباهة منك أم أنها رسالة للعودة إلى طريق الصواب؟
علينا أن نحاول أن نتجنب الوقوع في الأخطاء التي وقع بها غيرنا وألا نترك الغرور والشهوات هي من يسيطر على قراراتنا ما استطعنا ذلك وأن نستغل الفرص والأحداث حينما نقدم على فعل خاطئ وألا نجعلها تمر دون أن توقظ ضميرنا وعقلنا قبل فوات الأوان حيث لا تعويض لما فات ولا ينفع حينذاك الندم.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد