ما بال الزرع لا ينمو؟
جهد الفلاح في فلاحة أرضه
تبللت الأرض من عرقه المتقاطر من وجهه، وقطرات العرق اللؤلؤية يمتزجن مع لونه الأسمر وهن يشققن الطريق عبر جبهته المتعرجة نزولاً الى أنفه الذي لم يمرغه أحد من قبل بالتراب، لتهوي كل قطرة تتبع أختها لتلامس الأرض وهي تتفجر إلى قطرات صغيرة، حتى تركن في تلك البقعة الضئيلة ندبةً بسيطة، جعلته ينظر إليها مطولاً، وهو يستنشق الهواء الرطب الممزوج بالأتربة ولا يكاد يستطيع رفع يديه عن الأرض، بقي على ذلك الوضع شبه ساجدٍ نحو العراء، وهو يحاول أن يستجمع قواه مرةً أخرى من أجل الاستمرار في حراثة الأرض قبيل رمي البذور فيها.
كان يحرث الأرض ويراها وهي تتقلب بين شفرات المحراث، كراقصات الباليه يتحركن في نسقٍ واحدٍ وثابت، يقفن على أطرافهن ويلتوين وكأنهن مصنوعات من المطاط، هكذا كانت تربة الأرض تتراقص على أنغام المحرك، وصوت الحصى وهو يجلخ ذراع المحراث، حتى إذا ما اكتمل العمل وقد أصبحت الأرض أشبه بالبيجامة المخططة، بدأ يرمي بالبذور ويدفنها.
لم يكتفي بذلك، بل أخذ يسقيها بيده، يحسب الأوقات بدقة، يفتح الماء بالمقدار الكافي والمناسب، لم ينم ليالي في سبيل أن يحمي الأرض من العبث، كان يشتغل كفزّاعة، لم يترك طيراً أو قطاً او أي دابة أن تدخل أرضه، كان بالمرصاد لأي قوارض أو آفات، لم يبخل عليها لا بالوقت ولا بالمال، أعطاها ما تحتاجه لتخرج له ما يحتاجه منها.
ما سبب عدم نموّ الزرع في أرض الفلاح؟
وفي صبيحة أحد الأيام، وقد كان الديك حينها مازال يصيح موقظاً الناس للنهوض الى العمل، كان صاحب الأرض مستيقظاً من قبيل ساعات الفجر، والقلق يفتك به، حتى سمع صوت المزارعين يهتفون فرحاً بخروج النباتات فقد اخضرت أراضيهم ولكن أرضه مازالت كما هي بلا أي تغيير، مرت أسابيع وهو ينتظر ولكن دون جدوى، لم يصبر كثيراً حتى تنازل وتوجه إلى المزارعين يسألهم عن سبب تأخر خروج الزرع في أرضه، وهو يريد أن يعرف ما الذي أخطأ به.
في أول الامر سكتوا ولم يجيبوه، ولكن أحد كبار السن لم يسكت وتوجه إليه ووقف أمامه وقال له: “بني لقد اجتهدت أكثر منا في عملك ولا قصور في أدائك، ولكن خطؤك الوحيد إنك زرعت في أرض بور، وماذا تترجى من أرض لا خير فيها ولا بركة؟”.
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد