شعبٌ بلا قائد، وقائد لا يُطاع
بنو إسرائيل كانوا يرضخون تحت سطوة الحكم الفرعوني المستبد، ولأجيال طويلة، ضلت بهم السبل للخروج من مأزقهم الذي باتوا فيه اسارى، لا يملكون حيلةً امام طغيان الفرعون، الذي اذاقهم أنواع العذاب، كانوا ببساطة شعب بلا قيادة، وبلا قائد، هائمين في ارض مصر، كمركبٍ بلا شراع وبلا دفة، تأخذه اسواط الفراعنة كيفما شاءت إرادتها، يتمايلون يميناً وشمالاً منتظرين قدوم القائد المنقذ، ليستخرجهم من ضيمهم، ويدافع عنهم ويمثلهم خير تمثيل، ليستعيد إليهم حقوقهم المسلوبة، فلقد علم بنوا إسرائيل معنى مصيبة ان لا يكون لهم قائد، يأخذ بأيديهم الى بر الأمان.
ولكن ما حال الشعب الذي اعتاد ان يكون عبداً يلاقى عصيانه بالضرب والتعذيب، لا رأي له ولا فكرة، وفجأة يجد نفسه تحت امرة قائد، يعامله بالإحسان، ولا يستخدم أساليب الظلم والجور والاعتداء، يسمع اراء الشعب، ويعطيهم متنفساً في التفكير وابداء ما في نفوسهم دون خوف من سوط السلطة، ولا سجن الاستبداد والتعسف.
الشعب ربٌ التمرد
لا عجب ان يكون هذا الشعب ربٌ للتمرد، وشجرة خبيثة ثمرتها العناد، وحقيق ان يكتب على أوراق تعريفهم العبارة التالية: “هذا الشعب سبب رئيسي في نشر الفتنة وانتشار الفساد”، نعم انه كذلك بالفعل، فلقد عانى موسى عليه السلام معهم، والمصيبة الواحدة أصبحت مصيبتين، حيث وجد الشعب القائد، ولكن وجد القائد نفسه غير مطاع، وسط تمرد كبير، وخذلان واضح، والأكثر من ذلك، ان هذا الشعب كان يجيد الازدواجية، فهم يطلبون القتال، ويتنصلون عنه، بل ويتهمونه بالعمالة والانحياز، ويخالفونه نهاراً جهاراً، رغم انهم على علم بان هذا القائد هو نعمة من الله، وهو خير لهم من فرعون مصر الطاغية، الا انهم نبذوا رأي قائدهم المخلص، وارتموا في أحضان قائد اخر، جذبهم اليه بعض السحر، وقليل من الأموال، ومفاتن الدنيا الزائلة، تلك التي لم يجدوها عند موسى عليه السلام، القائد المصلح.
ماذا ترجو من شعب يستبدل قائده العالم، بعجل له خوار؟
ماذا تأمل من شعب يلوم قائده رغم انه اخرجه من العبودية والاذلال؟ ماذا تنتظر من شعب يحاول قتل قائده او الرضوخ لأوامرهم واهوائهم؟ ماذا تسمي الشعب الذي ينكر فضل قائده عليه؟ ماذا تسمي الشعب الذي رغم سنوات الألم الطويلة مازال منقسم الى بيوتات وفرق، حيث لا يرضى أي بيت ان يشرب من عين ماء يشرب منها غيره من أبناء جلدته الذين هم من لحمه ودمه؟ من هو هذا الشعب الذي يتبع السامري، ويقدس قارون وامواله، ويعبد عجلاً ذهبياً يخور، ويعظم حزبه وعشيرته ويقف معهم وان كانوا على الباطل؟
من كان يظن ان بني إسرائيل فقط هم من كانوا شعباً بلا قائد فهو مخطئ، ومن يظن ان موسى عليه السلام هو القائد الوحيد الذي كان لا يُطاع فهو مخطئ ايضاً، ومن يعتقد ان بني اسرائيل هم اسوء الشعوب وأكثرها تمرداً، فهو مخطئ، لأننا اسوء بكثير منهم.
فنحن الشعب الذي كان بلا قائد، وعندما جاءنا القائد جعلناه غير مُطاع
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد