بروا أبنائكم
من جهة الشباك المطل على المستنقع..
جلس الجديد على الأرض، وقد وضع تحته بعض الورق المقوى، وجمع رجليه الى صدره، واتكأ على الحائط أسفل الشباك المطل على المستنقع، وكانت يداه تعانقان رجليه، وهو يتحدث عن اخر مشاجرة له مع امه، وكيف طرده ابوه من البيت، وكيف انهوا عمله في المطعم، واثناء حديثه اخرج علبة السجائر الفارغة من جيبه، وهو يسب ويلعن، وقد ادار رأسه يتصفح وجوه من معه في الغرفة، ويطلب منهم ان يعطوه سيجارة، ولو بعض سيجارة، لينسى همه والمه، وليسحب نفساً قوياً منها حتى يشعر بانه في عالمٍ آخر، لكنه لم يحظ بها بل … سنكمل ما جرى بعد لحظات.
من جهة باب الغرفة على اليمين..
كانت هناك مجموعة من الافرشة والوسائد، جمعت بعضها على بعض حتى صارت كتلٍ يتوسط سهلاً اجرد، وقد اعتلاه شابٌ شقي، كملك متهور، او كلاعب شطرنج ماهر، وكان الجلوس كبيادق يحرك بهم انّى شاء، وقد سمع طلب الجديد، فحرك بإصبعه السبابة مع نظرة خاصة، فهمها القدماء، فلم يعطوه أي سيجارة، ولكنه ترجل من عرشه الاسفنجي، وتوجه نحو الجديد بخطوات متقاربة، واخرج له سيجارة من نوع آخر، اشعلها بقداحته الفضية، واعطاها له مع ابتسامة صفراء كانت تعكس صورة ابليس الذي لم يكن بحاجة لحضور الجلسة في تلك الساعة.
الى عالم آخر كل شيء فيه افتراضي..
مع نفسه الأول للسيجارة شعر بالطيران، ولكنه بالحقيقة يترنح، بدء يشعر بالحرية، وتوقف العقل عن العمل بإجازة مفتوحة، فهو من كان يقمع تلك الحرية، ومع السيجارة تعاطى بعض الحبوب، وما هي الا ساعة حتى سقط مغشياً عليه، وفي ظهيرة اليوم التالي، رجع الى البيت والصداع لا ينفع معه أي مهدئ، دخل الى البيت ليتوجه الى فراشه كالمعتاد، استوقفته امه بعباراتها التي لا تنفك تقولها باستمرار “اين كنت ومع من وأين بت الليلة الماضية وسوف أخبر عمك وخالك و الخ… “، سحبته من كتفه، ولكنه صاح عليها بازدراء، ودفعها عن طريقه، وفي تلك الاثناء دخل الاب راجعاً من عمله، لتعلوا الصيحات ويكثر اللعن والسب بينهما، والام في الوسط تقف تارة مع هذا وتارة مع ذاك، ولكن الاب يرى على ابنه علامات الترنح، فيصفعه ويضربه بحزامه الجلدي، ويرفع عليه حذائه، وهو يشم ملابسه التي اختلطت فيها روائح المستنقع مع العرق مع الخمرة مع السجائر والمخدرات والنارجيلة، رائحة عفنة افقدت الاب صوابه.
الى اين المفر؟
خرج من البيت راكضاً هائماً، ليجد نفسه متوجهاً الى نفس الغرفة المهجورة المجاورة للمستنقع، حيث يجلس القدماء ليستقبلوا الجدد، وليتعاطى معهم ما ينسيه اهله المتعصبين كما يظن، ولكن الخدمات المجانية لا تستمر طويلاً، وأصبح لابد له من الدفع ليحصل على ما يتعاطاه يومياً، وكيف سيأتي بالمال؟ الأمور تبدأ بسرقة البيت وبيوت الجيران، ولا تنتهي بعدها ابداً.
الام في لقاء متلفز، بعد ان ألقت الشرطة القبض على ابنها مع عصابة تمتهن السرقة والاغتصاب والاختطاف، تقول “لم نحرمه من أي شيء ولكن أصدقاء السوء دمروا له حياته”، لا ليس الامر كذلك، أنتم من دمرتم حياة ابنكم بدلالكم الزائف، ابنائكم بحاجة الى عقولكم لا عنادكم وتهوركم وتكابركم، انهم فتية لم يفقهوا معنى الحياة، وعليكم ان تتحملوا المسؤولية، أيها الآباء بروا ابنائكم.
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد