نظرة صبر
على إحدى قمم الجبال
كان بطل القصة قد اعتلى إحدى أعلى الصخور فوق قمة الجبل، وهو فاتحٌ جناحيه كمن يريد أن يعانق محبوبه الغائب منذ الأزل، كان يرفرف بهما كأنهما راية بيد جندي وصل إلى السارية، حيث سيرفع علم الانتصار.
في تلك الحال كانت معدته تخرج صوت الصفير، ككهفٍ فارغ تتجول الرياح فيه وتلعب الغميضة، وكان الصوت يزداد قوة، كبركانٍ ينتظر الفرصة حتى يثور، ومع مرور الوقت أخذ بطلنا يحفر بمخالبه على الصخور من الألم، الجوع بدأ ينخر في صبره كأنه دابة الأرض، وعيناه لا تنفك تراقب الصخور والعشب والأشجار، كان يبحث عن الطريدة.
من بين حطام بعض الأشجار
كانت أذنا ذلك الأرنب قد ظهرت، وكأنهما إصبعي مقاتل يعلن للعالم أنه الفائز، وهذه الأذنان جذبتا نسرنا المرابط على الصخرة، فقدم رأسه نحو الأمام وأرخى إحدى يديه، ودفع بجناحيه إلى الخلف، ولما قفز الأرنب وظهر بشكل واضح، وحانت الفرصة للنسر بالانقضاض، لم يتحرك ساكناً من مكانه!!
هل الجوع أثر على حركته؟
وهل أصبح غير قادر على المناورة والهجوم؟ هل فقد الأمل بأن يحلق من جديد ويطارد فريسته ليحظى بوجبة لحم دسمة؟ أم أنه يخطط لأمر آخر؟
ومرت أيام على هذه الحال، والأرنب الوحيد ظهرت معه أرانب أخرى، والعشب أخذ يكثر، والشمس أصبحت تأتي مبكراً، لتشرق على حافات الغابة الرمادية، لتحولها إلى خضراء مشعة بالطاقة، وفي نهاية إحدى الليالي الطويلة على نسرنا الجائع، وقبل أن تشرق الشمس، وعلى غير العادة نسرنا الرمادي فتح جناحيه من جديد وبدأ يضرب بهما كمشجعٍ متفانٍ في تشجيع فريقه وهو يصفق بحفاوة ليرمي الغبار من على ظهره، وينتظر اللحظة التي يسطع فيها ضوء النهار، ليلامس جناحيه السوداوين اللامعين ومنقاره الذهبي، وهو يحلق فوق الجبال والغابات، ليعلن عن حاجته إلى تناول الطعام، ليعلن بأنه قادم للصيد من جديد.
الأرنب الوحيد لم يعد كذلك
أصبحت في الغابة عشرات الأرانب، كانت حكمة النسر في الصبر، فلو اصطاد الأرنب الوحيد اليوم فإنه لن يصطاد شيئاً آخر في الأيام التالية، وسيموت جوعاً، فصبرٌ لأيام اخرج باقي الأرانب من جحورها.
لم يكن عقل النسر في بطنه، ولم يكن في غضبه، ولم يكن في جهله، ولم يكن في كرهه، ولم يكن في عاطفته، بل كان في صبره، فالعقل في الصبر.
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد