التعايش السلمي
((وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) سورة فصلت / الآيات 34-36
كل مجتمع يتكون بتركيبته من مجموعة من الطبقات، مرة تكون مادية او نسبية، ومرة تكون طبقات فكرية، وهذه الطبقية في المجتمع عندما تتداخل فيما بينها تجعل من المجتمع معقد التركيب، ولهذا فانت ستتعامل خلال حياتك اليومية مع شخص يخالفك في الفكر والعقيدة، وايضاً يستخدم اسلوباً في التعامل والكلام غير الذي تستخدمه انت، شاملاً ذلك المفردات الكلامية وخاصة البذيئة، او الكلام الجارح.
وايضاً في حياتك اليومية ستلاقي من يظن بانه اعلى منك مرتبةً، بناءً على قوميته او عشيرته او انتمائه الحزبي او تحصيله الدراسي والعلمي، وستلاقي من تظن بانك اعلى منه مرتبة كذلك، وستجد من هو معك في نفس الرتبة والدرجة، وبناءً على هذه الرتب التي مرة تجعلك فوق او تحت او مع، سينتج الخلاف بين الافراد، وستكثر المشاكل وتتعقد بشكل طردي مع زيادة الإصرار على هذه الرتب من افراد المجتمع.
كيف نعالج الأمر؟
عندما يصدر انتقاد ساخر من إحدى الرتب الاجتماعية، كأن ينتقد أحد المتشددين الإسلاميين ظاهرة لعب كرة القدم، فانه سينتج اتقاد مماثل لشكل هذا المتشدد الذي يعث لحيته ويحلق شاربه، وعليه لابد من ارجاع هذه السخرية الى قائلها، ويتم بعد ذلك الرد من الطرف الاخر، حتى تتحول المسألة الى الضرب والقتل.
هذه الظاهرة لا يمكن السيطرة عليها الا من خلال أسلوب عاقل، هذا الأسلوب يميز بين الصح والخطأ، وهذا التمييز يجعلنا ان نحكم افعالنا قبل ان نتصرف، وقبل ان نتحرك بردود افعالنا مع غيرنا، فاذا كان الفعل قبيح فلا يجب ان يكون رد الفعل قبيح مثله،
فهل أنت على استعداد لعض كلب حاول أن يعضك؟
لذلك فان الآية الشريفة تحدد اول نقطة في طريقة تعاملاتنا مع الاخرين ((وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ))، وهو ان لا نكون بأفعالنا وردود افعالنا سيئين، بل علينا ان ننظر الى الجانب الإيجابي، وان نتعامل بالأسلوب الحسن، وهو لا يساوي قطعاً الأسلوب السيء، لذلك فان حاول كلب ان يعضك فما عليك الا ان تبعده عنك او ان تبتعد عنه دونما ان تحاول عضه.
ماذا بعد ذلك؟
بعد ان حددنا طريقة فعلنا وردة فعلنا، وان نختار الحسنة دون السيئة، جاء الدور الى المرحلة الثانية من التعامل مع الاخرين في المجتمع، وهو ان ندفع الشر بالخير، وان نتجاوز عن الإساءة بالإحسان، وهذا يدفعنا الى ان نبحث عن الأسباب التي جعلت من الاخرين يفعلون افعالهم السيئة معنا، فان عرفنا السبب استطعنا ان نعالجه وان نصحح مسيرة الاخرين، ولا يكون ذلك الا من خلال التعامل بالإحسان، فالكلب الذي حاول ان يعضك لعله كان جائعاً، وسكوتك عنه هو اشعار له بانه في مأمن منك، واطعامك إياه هو حماية للآخرين من هجومه عليهم.
فان تعامل أحدهم معك بالسوء ولم يكن ذلك الا بسبب وجود عداء بينه وبينك، وكان قلبه حاقد، ويدفعه الغل، وتغريه الغيرة لفعل السيئات، فانت بحاجة الى ان تنتقل الى مرحلة جديدة من مراحل التعامل مع افراد المجتمع، وهي ان تتغاضى عن سيئاته، وتتعامل معه كأنه اعز اصدقائك لا على انه اعدى اعدائك، اشعره بانك لست غاضب منه، وتعامل معه كما تتعامل مع احبائك والمقربين منك.
ماذا نحتاج لنصل إلى هذه المرتبة الكبيرة؟
بكل بساطة نحتاج الى شيئين، أولهما ان نكون على مستوى من الصبر، حتى نستطيع ان نصل الى امتلاك هذه الروحية الكبيرة جداً، نفس الروحية التي تمتلكها الام مع أبنائها، فرغم ما يفعلوه ورغم عقوقهم بها، الا انها لا تستطيع ان تتعامل معهم كأعداء، هذه الهبة العظيمة التي لا يمتلكها الا شخص ذو حظٍ عظيم.
أما الأمر الثاني، فنحن نحتاج الى الوقوف على كل فكرة سيئة تحاول ان تؤثر على قراراتنا، وان نحاول ان نرجع دائماً الى الهدوء والتفكير الخالي من الضغوطات، وان نستعيذ بالله، وان نطلب منه المساعدة لإظهار الحق امام اعيننا، حتى لا نتخذ قراراً نندم عليه.
والله تعالى نعم المجيب، وانه هو السميع العليم، جعلنا واياكم من الصابرين ومن ذوي الحظ العظيم، حتى نكون مصداق قوله تعالى:
((وبشر الصابرين)).
والحمد لله رب العالمين.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد