((وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي))
في أصعب المواقف، لا تستطيع الوقوف لوحدك، وتحتاج الى من يقف الى جانبك، وهذا الشخص الذي انت بحاجة اليه هو من تطمئن اليه، وتشعر معه بالراحة والأمان، تشعر بانه لن يخذلك، وأنك تستطيع ان تعاتبه عتاب المحب، وانه لن يخدعك او يبيعك لعدوك.
ولعل رابطة الدم هي اقوى الروابط التي تجمع بينك وبين من تلقي بحملك عليه، رغم وجود الشذوذ في هذه القاعدة، الا انها أفضل واقوى الروابط التي تربط البشر مع بعضهم البعض، فرابطة الابوة والأمومة والاخوة هي الروابط الأكثر تأثيراً على الانسان.
وهذا المعنى نجده في قصة النبي موسى
ع، حينما بعثه الله وكلفه بالرسالة، فكان موسى ع يعلم صعوبة حمل هذه الرسالة ولاسيما عندما يكون الطرف الاخر هو الفرعون، ورغم ايمانه بقدرة الله عز وجل، الا انه كان بحاجة الى سندٍ قوي، ورأي حكيم، ويدٍ يمنى يعتمد عليها في خوض هذه التجربة، ولأداء الرسالة والتكليف على أفضل وجه، فكان اختياره لا يتعدى ان يقع على رابطة الدم، وهي الأقرب الى القلب، فاختار هارون ع شريكاً له في رسالته.
وقفا جنباً الى جنب، وذاب أحدهما في الاخر، تحملا معاً صعوبة الرسالة، ومشقة ومعاناة التعامل مع قومهما، ولكنهما لم يحققا النجاح لولا وفائهما لبعضهما البعض، فكيف كان حال موسى ع لولا وجود هارون ع الى جانبه؟
كيف كان ليكون حال موسى ع لو ان هارون ع كان كأحد اخوة يوسف؟ عندما ارخصوا رابطة الدم، واحتالوا على ابيهم ليتخلصوا من اخيهم الصغير، لأنهم يرونه مدللاً، فكيف بيوسف ع لو كان في محل موسى ع، فبمن سيطلب من الله ان يشد عضده؟
فرسان ومقاتلون قد حدوا سيوفهم،
من اشد وأعتى رجالات القبائل، اجتمعوا ليلاً وهم ينوون قتل النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم، ولو كان هذا يوسف ع فمن من اخوته سيهب لأداء الواجب المقدس، واجب المبيت على فراش النبي والنوم مكانه كأول فدائي في الاسلام؟ ولو ان هذا موسى ع، فهل كان هارون سينام بفراش أخيه؟
ظهرت لنا اخوة أخرى، لرابطة الدم، ولكن هذه المرة مع أبناء العم، حينما يتقدم الفدائي الأول في الإسلام، لينام في فراش النبي الاكرم، وهو يعلم انهم سيأتون لقتله غدراً، الرجل الأول في الفداء والتضحية، ينام غير مكترث بما سيحصل له، همه ان يحمي رسول رب العالمين، انه علي ابن ابي طالب ع.
ثم وفي ارض قاحلة، وقف رجل مع عائلته، أراد الإصلاح في امة المسلمين، تركه الجميع الا القلة، وغادره أصحابه واهل بيته سريعاً مستشهدين بين يديه، وهو ما زال واقفاً وحيداً ينادي الا من ناصرٍ ينصرنا؟ ورغم هذه المأساة، الا انه كان ما زال يشعر بالقوة، لان معه اخاه.
لقد اختزل هذا الأخ جميع القصص والاحداث في فعاله وصبره وتألقه في نصرة أخيه، لأنه يعلم بان اخاه الحسين ع على الحق، ولم تمل عيناه الى الدنيا وزخرفها، ولم يتراجع عن أداء الواجب المناط له، ولم يخذل اخاه ابداً، فوقف العباس ابن علي ع موقفاً مشرفاً في واقعة الطف، رافضاً كل الامتيازات التي عرضت عليه، مقدماً الى الحرب اشقائه الثلاثة، وهو يراهم صرعى على ارض المعركة.
(( اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي))
اريد اخاً يقف الى جانبي
، ان غضبت منه يوماً، يطفئ نار ثورتي بكلمة، يأبن امي، اريد اخاً يكون لي ستراً وساتراً، وسلاحاً ودرعاً واقياً، اريد اخاً لا يعير في علاقته معي اي أرباح او خسائر، فمن كان عنده مثل هذا الأخ فلا يفرط فيه، ولا يرمي به في غيابة الجب.
((كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا))
بهذه النعمة، نستطيع ان نواجه الحياة بحلوها ومرها
، ونستطيع ان نصمد امام الغرائز والملذات، وامام الخطايا والحماقات، نستطيع ذلك لأننا نمتلك اخوة يجرون بأيدينا ان تهنا وسحبتنا حبائل الزيف الى سكناها، حيث السبات الطويل، في البقعة التي يصعب فيها أحد انتشالنا منها.
لذلك فنحن بإخواننا نستطيع ان ننجو، وبهم نستطيع ان نسبح الله تعالى وان نشكر نعمته التي منها علينا، انها نعمة الاخوة التي لا يعرفها الا من فقدها او عاشها بتفاصيلها.
بالشكر تدوم النعم، فالحمد والشكر لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد