تفسير القران على الهوى والرأي الشخصي
عندما تبدأ البحث المنطقي والعلمي في أي علم، لاسيما ان كانت علوم الدين وتفسير الآيات الكريمة، فإنك ستجد بين الحين والأخر من يدعي العلمية، ليضع تفسيراً للآيات القرآنية بناءً على هواه، ويستدل بكلامه الى ادلة هو يراها صحيحة، ولكنه بالحقيقة ينظر بعين واحدة، وهذا النظر من جانب واحد سيخفي عليه المتبقي من الحقيقة، وسينتج عن هذا الرأي فكرة تتعارض مع الكثير من الثوابت الأخرى، كأن تكون الثوابت التاريخية والعلمية والمنطقية، وبذلك في مرحلة من المراحل يصبح هذا الراي شاذاً وليس له أي قيمة وسيركن، ولكن تأثيراته على المتلقين يمكن ان تستمر وخاصة مع قلة اطلاع المجتمع وكرههم للقراءة والبحث والتمحيص، وسعيهم للسير خلف من يحبون كلامه اما انتماءً او تأثراً بأسلوبه او لأنه يبغض بعض من يكرهونهم، او لأنه متنفس لهم لإعلان تمردهم تحت شعار (هو من قال وليس نحن).
نحتاج الى مثال لآية كريمة نضعها تحت منظارنا التفسيري، غير مراعين للثوابت الأخرى بشكل رئيسي وانما نعتمد على هوانا في التفسير، وسأختار الآيات التي ليس فيها خلاف عقائدي حفاظاً على احترام المذاهب الإسلامية وعدم ادخال الموضوع في التطرف المذهبي.
يقول تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) الأحزاب / الآية 50
ومن هذه الآية الكريمة سنناقش هذا المقطع ((وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ))، حيث سنضع تفسيراتنا وحسب هوانا وكيفما فهمنا من معنى، وكيف ان في كل معنى سيغيب عنا المعنى الاخر.
الرأي الاول:
الآية تحدد عدد اعمام واخوال النبي الاكرم بان لديه عم واحد وخال واحد، بينما في الوقت نفسه يظهر ان لديه عمات وخالات، والجمع يدل على ان اقل عدد هو ثلاثة للعمات والخالات، وعلى هذا المبنى يظهر ان من تم نسبهم للنبي من اعمام هو تزوير تأريخي واضح حيث الآية واضحة جداً بان للنبي عم واحد وخال واحد فقط، وبذلك فنحن لا نعير للثوابت التاريخية أي أهمية امام النص القرآني.
الرأي الثاني:
بلاغة القران الكريم ومدى دقته الوصفية التي عجز عن مجاراتها العرب، فهو يذكر لفظة عم وخال مفردة بينما يذكر العمة والخالة بصيغة الجمع، وذلك لحكمة بلاغية، حيث ان أبناء الاعمام يجتمعون في نفس النسب، وكذلك الخال، ولهذا فذكر العم والخال كافٍ ولا يحتاج الى الجمع، بينما أبناء العمة او الخالة لو جاء بذكر المفرد فهو تعيين للعمة والخالة دون غيرها وذلك بسبب تعدد النسب، لان الأبناء ينسبون الى ابائهم عند العرب، وهذا يعني ان النبي يحتمل ان يكون لديه عم او أكثر وخال او أكثر.
الرأي الثالث:
عندما كانت لغة القران هي العربية، فالعرب كانوا يستلطفون الكلام الخفيف والسهل، ولا يتفقون مع الجمل ذات اللفظ الصعب، ولهذا كانت الحكمة من افراد لفظة العم والخال هو للتخفيف من ثقل الكلمة، فلو قلت بنات اعمامك وبنات اخوالك، فإنها ستكون ثقيلة على اللسان، وهذا خلاف منهاج العرب واسلوبهم الخطابي.
الرأي الرابع:
ان العم والخال هما اسم جنس، واسم الجنس يطلق على المفرد وعلى الجمع، كما في قوله تعالى ((والعصر ان الانسان لفي خسر))، حيث الانسان اسم جنس مفرد، واستثني منه في قوله تعالى ((…الا الذين امنوا)) وهي جمع، بينما لفظة العمات والخالات فانهما ليستا اسم جنس ولهذا اتيتا جمعاً.
الرأي الخامس:
لفظة عم او خال عندما تطلق عند العرب يكون معناها الشمولية لا التخصصية، فانت تقول هؤلاء أبناء عمي، فقولك بقصد الشمولية حيث انهم أبناء لأكثر من عم، وكذلك الحال مع أبناء الخال، اما عندما تقول هؤلاء أبناء عمتي، فانت تخصص ان المقصود منهم عمة دون غيرها، او خالة دون غيرها وان اردت الشمولية تقول أبناء عماتي وأبناء خالاتي.
الرأي السادس:
الآية تتحدث عن حق النبي في الزواج، وهذا يعني ان محور الحديث هن النساء، وليس الاعمام ولا الاخوال ولا العمات ولا الخالات، وعندما ترجع للآية تجد ان تحديد النساء مبني على عدة ضوابط منها انهن هاجرن معه، ومن خلال سياق الآية فان بنت العم المتزوجة او الميتة او التي لم تهاجر غير مشمولة بهذه الحلية، والامر ينطبق على بنات الخال ايضاً، من ذلك نستطيع ان نعرف ان المقصود من بنات عمك، هو ان المشمول من بنات كل الاعمام هو بنات عم واحد لا غير والتي ينطبق عليهن الشرط وهو الهجرة، والحال مع الخال، وهذا يأخذنا الى ان هناك عم واحد وخال واحد لديه بنات هاجرن مع النبي ومؤهلات للزواج، بينما الاخرون ليس لديهم هذه الحالة من باقي الاعمام والاخوال، فليس في الآية ما يدل على ان للنبي عم وخال واحد.
ستة اراء في جزء من اية تناقش موضوع واحد لا أكثر، هل النبي لديه عم واحد وخال واحد فقط ام لديه اعمام واخوال؟ وبعد ان تنتهي من قراءة هذه الآراء ماذا تستنتج؟
لا اريد الاستنتاج الخاص بالموضوع، وانما اريد الاستنتاج فيما يخص طريقة مناقشة الموضوع، فهل الرأي الشخصي صحيح؟ ومتى يكون صحيحاً ومتى يكون خاطئاً؟ ومتى يكون مقبولاً وبناءً ومتى يصبح فاشلاً وخطراً؟
يرتبط الرأي بما يفكر به صاحبه، والهدف المراد من طرحه لرأيه، فالمشكك والمجادل يبحث عن الأخطاء والملابسات ويقلب الحق الى باطل والباطل الى حق، وهذا ينتج عنه رأي وفكر مدمر، فمحاولاته للنيل من دين او معتقد تحوله الى مزور ومحرف للحقيقة، وهذا هو الخطر من وراء الآراء الهوائية.
بينما المفكر والذي يهدف بآرائه الى التثقيف والمناقشة على أسس رصينة خالية من الجدلية الفارغة، والذي يصبو من خلال فكره الى التعليم والتعلم والنهوض بالواقع ومعالجة مشكلات المجتمع، مترفعاً عن المغالطات والاتهامات وهتك حرمة المخالفين له في رأيه، هو الذي يستحق ان نبني على رأيه آرائنا، او على الأقل نستمع له ونأخذ ما ينفعنا منه.
والان علينا ان نحلل الآراء السابقة ووضعها تحت المجهر، حيث يهمنا ان نفهم طريقة تفكير كل شخص منهم، وأسباب طرحهم لآرائهم المتعددة.
هناك اربع اراء تتفق على ان المعنى المقصود بالعم والخال ليس على سبيل الفردية، فالتأريخ ليس فيه إشكالية ان كان للنبي الاكرم اكثر من عم، والآية لا تتعارض والثوابت التاريخية، بينما كان الرأي الأول يشير الى عكس هذه النتيجة، فكان يريد التأكيد على ان للنبي عم وخال واحد فقط، من خلال هذا المنطق سيصبح التاريخ معاقاً، حيث ان عبد المطلب سيكون اباً لولدين فقط، أبو النبي وهو عبد الله والأخر الذي عليه الجدال، وبذلك فكل المباني الأخرى ستكون اكذوبة تاريخية، وعندما تعرض هذا الدليل مع الواقع ستجد ان هناك استحالة في تزوير الحقيقة بهذا الشكل الواضح، ولكن مجادلته بالأدلة العقلية والمنطقية يصبح صعباً، ولا يمكن اثبات العكس له باي طريقة حوارية علمية اخرى، ولهذا سنجد ان الجدلية لا تواجه الا بالجدلية، فالراي الأخير يضع جدلية جديدة بان الآية لا توضح ان كان للنبي عم واحد وخال واحد لأنها كانت تتحدث عن النساء التي يمكن للنبي ان يتزوجهن، فان عدنا الى التاريخ كدليل بطلت حجة صاحب الراي الأول، وان قبلنا بتفسيرنا الهوائي، فالراي الأخير ينافس الراي الأول، ولكننا سنبقى غير مستقرين ولا نعلم أي التفسيرين الجدليين هو الاصح!!
ولهذا انا اميل الى ان الآيات القرآنية يجب ان تفسر من قبل ذوي الاختصاص وعلى معايير علمية ومنطقية وكلامية دقيقة، وان لا يكون للهوى فيها نصيب، والا فستسود الفوضى وتسوء حالة الدين الإسلامي بين أبناء المجتمع، وسيحصل النفور من الإسلام، وهو مع الأسف ما وقع وما واقع حالياً، لكثرة أصحاب الهوى ممن يتظاهرون بتصديهم للدين، مجتمعاً حولهم الجهال والمستفيدين والذين يعيشون على نهش بقايا الجثث، ويصطادون الفريسة المريضة، ويقتاتون من جراحات غيرهم، والضحية هم أبنائنا.
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "تفسير القران على الهوى والرأي الشخصي"
إرسال تعليق