الاشاعة، سلاح الدمار الأخطر / الجزء الثاني
*تنبيه*… كل الأمثلة الواردة في المقالة هي لغرض تقريب الصورة وليست لغرض اخر وليست كلها معلومات حقيقية لذلك اقتضى التنبيه.
كانت الاشاعة في تعريفها السابق “وهي خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع و تُتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها” ولكن هذا التعريف كان قبل ان تدخل الاشاعة كمنهاج دراسي متطور، اذ أصبحت الاشاعة إضافة الى كونها خبر او مجموعة اخبار لغة حوار وفكرة عقائدية تنتشر في أوساط المجتمع.
ان تطور فكرة الاشاعة ارتبط مع تطور وسائل الاتصال السمعية والبصرية، وفي فترة سابقة كانت نتائج الاشاعة تحقق الهدف المرجو منها في ساعتها، ولم تكن هنالك مراكز دراسية تحلل نتائج الاشاعات في أوساط الناس، اما اليوم فالإشاعة اخذت جانباً اخر، حيث أصبحت مصدراً لاكتساب المعلومات عن المجتمعات المراد استهدافها.
التعاطف مع الموضوع:
لو قلت هذه العبارة (إبراهيم ع لم يكن عربياً)، واخذت تسمع ردود فعل الناس، فستجدهم يتعاطون مع الموضوع بين مصدق له كونه عاش في بابل ولم تكن حينها اللغة العربية منتشرة، والبعض سيسكت لأنه لا يمتلك المعلومة ليجيب او يجادل، ولكن ماذا لو قلت هذه العبارة مع تغيير بسيط؟
التغيير الأول سيكون إطلاق المعلومة في سنوات متفاوتة، فالعبارة في عام 2000 لا تجد لها أي تأثير يذكر، ولكن في عام 2017 عندما تطلقها فإنها ستكون مهيأة لجس نبض الشارع الاجتماعي، وهذا التغيير بسبب وجود شحن لمعلومات سابقة اثرت بدورها على أي معلومة ستصدر سواء كانت صحيحة او خاطئة.
نفهم من ذلك ان المعلومة عندما تتأثر بالواقع الاجتماعي فإنها ستفقد صورتها الاصلية وان كانت معلومة حقيقية وليست زائفة، وستتحول الى خبر يتداوله الناس ويصل الى الهدف المنشود منه، ولكن هذه المرة يعتمد على زيف الأفكار الاجتماعية وليس على زيف الخبر نفسه.
الجوانب الطائفية:
ففي عام 2000 لم يكن المجتمع يعير أهمية الى الجوانب الطائفية كونه كان يعيش تحت ضغط السلطة وصعوبة كسب لقمة العيش، بينما اليوم في عام 2017 فان الشعب دخل في مرحلة من المشاحنات الطائفية، ولهذا بين فترة وأخرى تجد بعض الممولين يطلقون عبارات تحرك النفس الطائفي بين افراد المجتمع، الهدف منه معرفة نسبة تدهور العلاقات والروابط بين أبناء الشعب، هذه النسب تساعدهم على اختيار المعلومة التالية والتي من خلالها يستطيعون رفع نسبة الشحن الطائفي، وهكذا حتى يعيدوا ما حصل بعد عام 2003، فالوضع كان بحاجة الى حواضن وحجج لإدخال الإرهاب باي مسمى ومن ثم اكتساب الوقت لوضع حجر الأساس لإدخال قوة إرهابية اكبر وصولاً الى إيجاد داعش في المنطقة.
احياناً نمر على الاخبار مرور الكرام، ولكن ما يستهوينا هو ان نشاهد ماذا يقول الاخرون في هذا الموضوع، وكيف هي ردود أفعال الناس، وهنا ظهرت أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، فلو راقبت الصفحات الإخبارية والشخصية والتي تحقق نسب مشاهدة عالية، فستجد هناك مجموعة من المتابعين يتركون دائماً بصماتهم من خلال تعليقات تثير الفتن والفوضى، وهؤلاء هم اشبه بالقداحة، فتجد التعليقات تتوالى بسبب وجود كلام فيه ضرب لمكون وكلام اخر فيه دفاع عن نفس المكون، ومن هنا ينطلق الشعب في أداء دوره المجاني في اخراج مكنوناته، ويتم تسجيل جميع ردود الأفعال بحرفية، وما ستلاحظه بان الصفحات المشبوهة تنشر في نفس الموضوع ولكن باتجاه مختلف، والمواضيع التي لا تلاقي رواجاً يتم استبعادها تدريجياً ولحين تحقق الفرصة لإعادة نشرها بطريقة مؤثرة.
وأضافوا الى الاشاعة دور جديد وهو تشتيت الانتباه، حيث تجد في فترة معينة يتم التركيز على حادثة ويدور الكلام والجدال فيها لفترة وبعد ذلك يتم الانتقال الى حادثة أخرى ويتزامن مع نشر اخبار بوجود تهديدات طبيعية ستضرب المنطقة، ولو امعنت النظر خارج هذه الاخبار ستجد ان هناك موضوع يتم مداراته وابعاده عن متناول الاعلام والعامة.
التغيير الثاني يكون بالعودة الى مثالنا السابق ونقول بان (إبراهيم ع لم يكن عربياً)، ونشرت هذه المقولة في صفحات بعض المدعين بالحرية والعلمانية والتحرر من قيود الدين او من الملحدين، فسيكون التعاطي لا على أساس المعلومة بل على أساس فكرة الناشر، فهناك من سيسب العرب ويصفهم بالمتخلفين، وهناك من سيسب الذين سيبون العرب، ولكن لو نشرت هذه في صفحة شخص يضع صورة عليَ ابن ابي طالب او صورة عمر ابن الخطاب فماذا سيكون الرد؟
القاعدة الفكرية:
لا يمكن انكار الحقيقة، فالرد الطائفي سيكون حاضراً ويثبت وجوده بجدارة، كما قلنا بان الافراد سينظرون الى ناشر الخبر لا الى الخبر نفسه، وسيعتمد كل فرد على القاعدة الفكرية الخاصة به ليبدأ العمل على تزييف نية الناشر لا المعلومة المنشورة، فالفريق الأول سيسوق الامر الى صفوي ومجوسي، بينما الثاني سيسوق الامر الى الاعراب اشد كفراً ونفاقاً، بينما في أصل المعلومة لا تجد فيها ما يساعد على الشحن الطائفي.
ولهذا أصبحت الاشاعة بعد تطورها الكبير خطر لا يمكن السكوت عنه، فلم تعد الاشاعة كما تم تعريفها، بل تطورت من خبر زائف الى معلومة زائفة الى عقيدة وفكرة الى بناء اجتماعي يحول كل المعلومات الصحيحة والزائفة الى فتن ومشاكل وفوضى، وصرنا من خلال ردود افعالنا العاطفية نسوق للإشاعة من دون وعي وعلم، ظانين باننا نعيش جانباً من الحرية الفكرية وباننا نحسن التصرف.
من منا يستطيع التعامل مع المعلومات والاخبار بحيادية تامة؟ ومن منا قادر على تمييز الصفحات الممولة في وسائل التواصل الاجتماعي؟ ومن منا يستطيع ان يشارك في حماية العراق واهل العراق من الوقوع في دوامات الفتن والعشوائية؟ من منا سيكون قادراً على اذلال الصعوبات وعدم تشجيع أبناء الشعب على التقاتل والتناحر؟ ومن منا قادر على التمييز بين الشعب والسياسيين؟
في مقابل كل هذه المشاكل التي نعاني منها، فإننا تحت رحمة أكثر الأسلحة فتكاً وخطورة، انها الاشاعة التي وكما أتصور أصبحت محاربتها واجباً وطنياً وانسانياً وشرعياً علينا، وخاصة على الذين يجدون في أنفسهم القدرة على المحاورة وقراءة ما بين السطور، بل وعلى أصحاب التخصص ان يرفدوا الجيل القادم بمقالات وكتب ومناهج تبين عظم تأثير الاشاعة على المجتمع،
وفي نهاية المقال أورد بعض النقاط التي يمكن ان تضعف من حدة الاشاعة وهذه النقاط هي:
1. عدم التعامل مع الصفحات بعفوية تامة، وعدم الانجرار في الدخول في نقاشات وتعليقات قد تسبب تحريضاً مبطناً وتحقق بذلك الهدف بالمجان.
2. التحقق من المعلومة وصحتها ومصدرها، ومناقشتها بموضوعية من دون المساس بأحد.
3. قطع الطريق امام الصفحات المشبوهة والتحذير منها.
4. عدم مشاركة المنشورات الا بعد التأكد من صحة ما فيها وخاصة فيما يتعلق بأمور الدين.
5. الحذر من الفيديوهات المقطعة والمدبلجة والفيديوهات التحريضية.
6. استخدام التجمعات المغلقة وعدم ادخال الأشخاص الغير معروفين اليها لسهولة تتبع مصدر المعلومة.
7. وضع دم الأبرياء نصب عينيك، وقبل ان تكتب او تضع اصبعك على الاعجاب فكر ان هذا الزر هو بمثابة زناد البندقية وان كلماتك هي اطلاقات نار، قد تظن بانك تطلقها الى السماء ولكنها عملياً قد تصيب عند نزولها من هو بريء فتكون قد قتلته من غير ان تعرفه او تراه. كلمتنا امانة وعلينا ان نصون هذه الأمانة.
انتهى الجزء الثاني والأخير من الاشاعة، سلاح الدمار الأخطر
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "الاشاعة، سلاح الدمار الأخطر / الجزء الثاني"
إرسال تعليق