الاشاعة، سلاح الدمار الأخطر / الجزء الاول
“الإشاعة هي خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع و تُتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها”.
*تنبيه*… كل الأمثلة الواردة في المقالة هي لغرض تقريب الصورة وليست لغرض اخر وليست كلها معلومات حقيقية لذلك اقتضى التنبيه.
الاشاعة محيرة، فهي تكاد تكون فناً من الفنون الإبداعية، اذ تجعل المتلقي يصدق ما يسمعه، كأنك تشاهد فلماً مرعباً اخرج بصورة تجعل من الأشخاص يخافون الظلمة ويتأثرون عند مشاهدة الظلال في الليل، ولعل الاشاعة هي سلوك طبيعي ومهارة موجودة عند البعض من الناس تنتظر الفرصة للظهور والعمل، كرسام او نحات يبدع من دون تعليم مسبق، وقد تكون الاشاعة علم يجمع الفن والمهارة معه ليطور هذا المسمى المهم ويجعله عنصراً فعالاً في ترسانة الاسلحة العالمية.
ومن اجل الوقوف على تفاصيل الاشاعة واهميتها وخطرها، لابد من مناقشة مفهوم الاشاعة من خلال استهداف مفردات التعريف العام ومن ثم الغوص في أعماق هذا التعريف للوصول الى حقائق توضح تطور الاشاعة ومدى قدرتها التدميرية.
اولاً: مفهوم الاشاعة:
جاء في تعريف الاشاعة بانها “…خبر او مجموعة اخبار…”، فماذا يقصد بالخبر؟
تختلف مفاهيم الاخبار بحسب الراوي والمتلقي، فلو قلنا مثلاً ان (هتلر كان مجرم حرب) فان هذه المعلومة تعتبر خبراً رغم انها معلومة تتحدث عن شخصية تاريخية قديمة، ولو قلنا بان (هناك سفارة إسرائيلية في مصر) فهذه المعلومة تعتبر خبراً ايضاً لأنها تعطي واقعاً حالياً، ولو قلنا بان (الأرض سيضربها نيزك كبير ويدمر ربعها) فهذه المعلومة هي خبر يتحدث عن المستقبل.
نستنتج من ذلك ان الخبر هو مجموعة من المعلومات المتنوعة والمختلفة ومن غير تحديد لجوهرها او تاريخها، ولكن ما دامت هي معلومات قد تكون تاريخية او علمية او واقعية او غير ذلك فما الخطر والمشكلة فيها؟
وعندما نكمل التعريف “… زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع…” فإننا سنتعرف على الصفة الأولى لهذه المعلومات، والتي من خلالها تصبح إشاعة، ومن اجل ان تحقق الاشاعة انتشارها ومقبوليتها في المجتمع فإنها بحاجة الى قوام معين يجملها عند المتلقي من اجل تضييع ملامح الكذب والتزييف فيها، ولهذا فان الاشاعة تعتمد على المعلومة المراد بث الاشاعة من خلالها، فلو اخذنا مثالنا التاريخي بان (هتلر كان مجرم حرب) فان المعلومة صحيحة تاريخياً ولكن لو قلنا بعد ذلك بان (هتلر تسبب بقتل عشرة ملايين انسان) و (هتلر اعدم بنفسه اكثر من ثلاثين الف من معارضيه حرقاً بالنار) و (هتلر وكما ذكر مرافقه الشخصي – سايمون ويلز – في مذكراته واعترافاته لدول التحالف بانه كان يتلذذ بمشاهدة الدماء وكان يحرك بفمه كمن تعصر امامه ليمونة)، وبعد هذه المقولات التاريخية حول هتلر فالبعض سيكذب او يشك بالخبر الأول، حيث عشرة ملايين انسان رقم كبير ليتحمل مسؤوليته هتلر لوحده، ولكن الخبر الثاني لا وجود لسبب لتكذيبه فهو اقرب الى الواقع والرقم ثلاثين الف مقبول نوعاً ما، ولكن الخبر الثالث هو الأكثر تصديقاً لكونه يستند الى مذكرات مرافقه الشخصي، وايضاً فان الخبر خالٍ من الاعداد والأرقام، فهذا الخبر هو الأقرب الى الواقع.
بعد ان قرأت اسم المرافق الشخصي لهتلر، هل حاولت ان تبحث عن صحة هذا الاسم؟ وهل هناك شخصية تحمل هذا الاسم وقد كانت بمرافقة هتلر؟ ماذا لو قلنا ان المذكرات كانت لضابط اسمه إدوارد مولر؟ وهنا تكمن الخدعة في تحويل الخبر او المعلومة الصحيحة الى معلومة زائفة من خلال الاعتماد على جزء حقيقي لا غبار عليه، ومن ثم استخدام طرح موضوعي أكثر.
وهذا سيظهر واضحاً لو عكست الاخبار عن هتلر، حيث تبدأ بذكر خبر المذكرات الخاصة بسايمون ويلز، وبعد ذلك بإعدام معارضيه الثلاثين ألف، ومن ثم تسببه بمقتل عشرة ملايين نسمة، فإنها ستكون من خلال هذا التسلسل أكثر واقعية، لان الخبر الأول لو مر بشكل سلس على المتلقي فان الخبر الثاني سيكون اثباتاً للخبر الأول، والخبر الثالث سيكون طبيعياً مع بشاعة هذه الشخصية الاجرامية.
ثانياً: أسباب الاشاعة:
لو جاء شخص وقال لنا بان (ساندي ابنة المدرس لديها صديق وان ناقل الخبر قد رأى صورها في نقال صديقها والذي تحفظ عن ذكر اسمه) فما هي ردود فعلنا تجاه هذا الخبر؟
نحلل الخبر الى جانبين الصادق منه، وهو وجود شخصية ساندي وكونها شابة وهي ابنة المدرس، اما الخبر الكاذب فهو المتعلق بصديقها المجهول وصورها في نقاله الشخصي، وهنا سينقسم المتلقين الى أربع مجاميع، المجموعة التي ستشجع وتصدق الخبر وهي التي تعاني من مشاكل مع المدرس نفسه وفي هذا الخبر متنفس للنيل منه عن طريق تشويه سمعة ابنته، اما المجموعة الثانية فستكون مؤيدة للخبر لان ساندي لا تقبل مصاحبتهم، وستقف المجموعة الثالثة موقف المتفرج والفضولي، فهم ليسوا على معرفة شخصية لا بساندي ولا بابيها المدرس، وستقف المجموعة الأخيرة في ضد هذا الخبر وستكذبه وتدافع عن ساندي.
نستنتج من ذلك بان السبب وراء بث الخبر هو وجود فعل مؤثر ينتج عنه رد فعل يترجم على شكل خبر مزيف، هذا الخبر لا ينتشر الا إذا كان المجتمع لديه نفس ردود الفعل، ومن خلال مثالنا فان الفعل الصادر من ساندي او ابيها اوجد رد فعل يضر بسمعة ساندي، ويلاقي هذا الخبر المقبولية والانتشار بسبب وجود متأثرين بهذا الفعل، وكلما زاد عددهم زاد انتشار الخبر بسرعة أكبر.
فالأسباب التي توجد الاشاعة قد تكون شخصية او نفسية او اجتماعية او مادية او سياسية، ولا يمكن السيطرة عليها وخاصة إذا كانت الأسباب تؤثر على مجموعة كبيرة من المجتمع، وجهل الناس وسذاجتهم وقلة وعيهم وثقافتهم ولا مبالاتهم تساعد ايضاً في تقوية الاشاعة وتكون سبباً لولادتها وانتشارها.
ثالثاً: تطور الاشاعة:
بما ان الاشاعة هي اخبار زائفة تتناقل بين افراد المجتمع، وان السبب من اطلاقها هو لتحقيق ردة فعل مؤثرة، وطريقة نقلها تعتمد على الأسلوب الشفوي، فهذا يعني ان الاشاعة في مرحلة من المراحل ستتحول عن مسارها الأصلي الذي انطلقت منه الى مسارات متعددة ومتنوعة، هذه المسارات تضفي على الاشاعة شكلاً من اشكال المصداقية ويصبح تكذيبها صعباً كونها تصبح خبراً متواتراً، ورغم تعدد صيغة طرح الاشاعة الا انها تتمحور في نفس النقطة الأساسية التي انطلقت منها.
فلو عدنا الى ساندي، ستجد ان من كان يريد مصاحبتها ورفضته سيقول (ساندي كانت تريد الذهاب معي في رحلتي الأخيرة ولكني فضلت ليندا عليها)، اما من لديه موقف من ابيها فانه سيقول (المدرس والد ساندي اعطاني درجة متدنية في مادته لأني هجرت ابنته)، وبعد ان يتم تناقل الخبر بأساليبه المتنوعة لن تستغرب ان تسمع بان (ساندي لم تتعرض الى حادث بل كان ذلك بسبب ضربها من قبل صديقها المجهول)، بالنتيجة النهائية فان الخبر الزائف الذي انطلق بسبب معين سينتشر ويتغير شكله معتمداً على نفس السبب الذي انطلق منه اول مرة.
رابعاً: استخدامات الاشاعة:
بعد ان عرفنا الأسباب من نشر الاخبار الزائفة، فان الهدف سيرتبط طردياً مع السبب، وهو يحاول تحطيم المستهدف من الاشاعة وتكبده خسائر فادحة وكبيرة، فلم تعد الاشاعة تعمل في إطار الاشخاص بل تعدت الى ان تكون يداً ضاربة للشركات والاحزاب والدول، فالشركات تستخدم الاشاعة لغرض تدمير سمعة الشركات الاخرى المنافسة لها، فأصبحت الاشاعة تتطور بشكل واضح وخاصة في اعطاء بيانات مالية زائفة عن موقف الشركات وذلك للإيقاع بالشركات الاخرى، او استخدام بعض الشركات لمعلومات طبية زائفة للترويج لمنتجاتها.
خامساً: صفات الاشاعة:
تتصف الاشاعة الى جانب كونها خبراً زائفاً، فإنها تكون غامضة ومهمة بالنسبة للمجتمع وتظهر بإحدى الاشكال الثلاثة التالية:
1. الاشاعة السريعة: وتنتشر هذه الاشاعة بشكل سريع في أوساط المجتمع ويصعب معرفة مصدرها وكيفية انتشارها وما هو أصلها وماهي الإضافات التي رافقتها في مرحلة انتشارها.
2. الاشاعة المغمورة: وهذه الاشاعة تنشر مرة وتنغمر تحت السطح وبعد فترة من الزمن يعاد احيائها من جديد لتحقق هدفها بشكل أفضل بعد ان تحققت العوامل المساعدة على تصديقها والتأثر بها.
3. الاشاعة السلحفاة: وهذه الاشاعة تتحرك في أوساط المجتمع بحركة بطيئة كالسلحفاة، وتنخر بهدوء في بنية المجتمع كالأرضة، وبسبب هدوئها وحركتها الغير محسوسة تصبح بالنسبة للمجتمع خبراً طبيعياً لا يسبب ذكره أي مشكلة.
انتهى الجزء الأول من الاشاعة، سلاح الدمار الأخطر
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "الاشاعة، سلاح الدمار الأخطر / الجزء الاول"
إرسال تعليق